أضحى خطاب الكراهية لدى المجتمع السوداني في الآونة الأخيرة في حالة تنامي مخيف، لم يعد سرا في معظم أقاليم البلاد، ما الذي جعل أرض السودان خصبة لتتوغل سموم الكراهية بين مكونات الشعب السوداني وتنتشر بهذه الطريقة التي جعلت الكل يتفرج دون الشروع في حل ومعالجة هذه الظاهرة السالبة في ظل مرحلة حرجة وبالغة التعقيدات والتقاطعات ذات الأجندة والمحاور المختلفة، السؤال الذي يطرح نفسه: ما الأرجح في ظل تعدد الطرق الدينية والطوائف والعشائر ومراكز دراسات السلام التي لم يتثنى لها الحد من هذا الخطاب؟ أترى أن مرد ذلك يعود لضعف وعي الكوادر أم في الأفكار الأيديولوجية ذات الأجندة التي ما تزال حاضرة في المشهد؟
تقرير: عبد القادر جاز
التجارب العصيبة:
قال الأستاذ يوسف ريحان رئيس المعهد الأفريقي للسلام والتنمية إننا مررنا في السودان بتجارب عصيبة، الحروبات الطويلة، والصراعات القبلية التي أدت لعدم الاستقرار السياسي، معتبرا أن هذه اهتزازات واختلالات في البنية السياسية التي طفت على السطح في الاتجاه الموازي لها أسفل السطح، وانعكاسات ذلك ظهرت في الاقتصاد والبناء المجتمعي، مبينا أنه على ضوء ذلك بدأ الإحساس بالظلم والتهميش يتنامى من خلال الملامح الطبقية التي شكلت التقارب ما بين تحالف السلطة والثروة، وكشف أن مثل هذا النوع قد أحدث تباعدا واضحا ما بين مكونات المجتمع، وضعف الولاء الوطني، وتفككك الأحزاب السياسية التي كانت في فترة من الفترات هي الوعاء الجامع الذي تكسر أمام الانتماءات القبلية، مما أدى إلى اتساع دائرة الشعور بالظلم والتهميش، ولفت إلى أن التوسع العمراني في العاصمة الخرطوم، وعدم التنمية المتوازنة صنع في أطرافها هامشا جديدا، منوها أن مثل هذه المظاهر ساهمت في تشكيل خطاب الكراهية بلونية الخطاب السياسي، مرجحا أن هذا الخطاب ناتج عن تفاعل اجتماعي، وتعبير صارخ عن فوراق وتباينات حادة في المجتمع.
الظاهرة المتنامية:
أكد ريحان أنهم لا يريدون رمي اللوم على جهات بعينها مع تناسي أخرى، خطاب الكراهية تقع مسئوليته على عاتق الجميع على مستوى الأسرة والمؤسسات التعليمية والدينية والإعلام والإدارات الأهلية والتيارات السياسية على اختلاف منطلقاتها الفكرية والأيديلوجية، وأردف بقوله: إنه من المؤسف أن تكون هذه الجهات صمام أمان ضد خطاب الكراهية هذه الظاهرة المتنامية إنما هي ناتجة عن هذا الخطاب، وتروج له، وتستخدمه في صراعاتها السياسية، بذات القدر تستخدمه بعض الإدارات الأهلية بمظان أنها ستكون بمأمن من انعكاساته السلبية. الفتنة الملعونة:
أوضح ريحان أن خطاب الكراهية الذي تجاوز كونه خطاب مرحلة إلى فعل مدمر والنار من مستصغر الشرر، وأضاف الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، مشيرا إلى أن هذه فتنة في مهدها، وضع التدابير الوقائية ضرورة ملحة، مستشهدا بجملة من الأحداث المؤسفة التي وقعت في أنحاء عدة من السودان وخاصة ولاية النيل الأزرق التي راح ضحيتها الكثيرون نتيجة لخطاب الكراهية، منبها أن الحريق إذا شب فسيجتاح كل مكان دون استثناء لمجتمع عن الآخر، ودعا الأحزاب السياسية والإدارات الأهلية باعتبارها الأكثر تأثيرا، بأن عليها أن تكون على قدر المسئولية لحسم كافة التفلاتات التي تؤدي لإحداث الفتن، موضحا أن دور المؤسسات التربوية والإعلامية والجماعات الدينية دور تربوي وتوعوي يجمع ولا يفرق، وشدد على ضرورة سن القوانين الرادعة التي تحسم التفلتات لمحاربة هذه الظاهرة بأشكالها المختلفة، توغل السموم:
أكدت الأستاذة أميره عبد الرحمن رئيس مبادرة نساء بلا حدود لتنمية المرأة أن خطاب الكراهية أصبح من الظواهر المنتشرة والمخيفة بصورة كبيرة، ومهدد لممارسة الحياة الطبيعية في البلاد، متمنية أن تكون هذه الحالة عابرة، تزول بزوال الأزمة السياسية القائمة، مرجحه أن دواعي الكراهية لأسباب مختلفة ومتداخلة منها الفراغ السياسي، وضعف خطابه فالبعض يتخذه سلاحا لمواجهة خصومه وصولا إلى مبتغاه، بجانب تفشي الفقر والحرمان والبطالة كل هذه الأسباب أدت إلى اعتلاء خطاب الكراهية معظم المنصات الاجتماعية وتوغلت سمومه بهذه الصورة المزرية التي نراها اليوم. مظاهر الغزو:
اعتبرت أميره أن تعدد الفرق الدينية، وكثرة الطوائف هي واحدة من الأسباب التي كرست لظهور خطاب الكراهية من مظاهر الغزو الفكري المتشدد الذي أخذ ينشط في الآونة الأخيرة، مستهدفا البلدان الأقل نموا، والمجتمعات الأكثر تباعدا في ظل التشاكس السياسي، مستطردة بقولها إن مراكز دراسات السلام عملت ما بوسعها، وقدمت الكثير من الورش والدورات التدريبية والأوراق العلمية عن نشر ثقافة السلام ونبذ خطاب الكراهية والعنصرية، وقالت إن ما يعيبها أنها ركزت جل أنشطتها بالمركز، فهي بحاجة إلى انتشار واسع لتغطية كل الولايات لمواجهة ومعالجة ظواهر العنف، ونبذ خطاب الكراهية في المرحلة المقبلة.
إدعاء الاستنارة:
كشفت أميره أن المعالجات والحلول تتمثل في عودة الناس إلى رشدهم وقيمهم وعاداتهم السمحة، وتفعيل القوانين التي تنظم مسار كل مجتمع لحفظ الحقوق، وتنظيم العلاقات مع بعضهم البعض، ودعت إلى أهمية نشر ثقافة الخطاب السياسي الذي يخدم، ولا يهدم، بجانب منح المواطنة المتساوية للجميع، وأن الأرض لله يرثها عباده الصالحين، مطالبة بضرورة محاربة أنصاف المتعلمين ومن يدعون الاستنارة أولئك الذين ضجت بهم (الكلوب هاوس) ومنصات التواصل الاجتماعي بخطاباتهم العنصرية البغيضة التي لم يسلم منها بيت أو أسرة، مبينة أن مثل هؤلاء يجب دحرهم ومحاربتهم وعدم التصفيق لهم أو تمرير أجندتهم الخفية الخبيثة، وأضافت على اتفاقية جوبا أن تحرص على تحقيق سلام حقيقي يطبق، أو أن تطبق في المرحلة المقبلة. الأساطير الممنهجة:
أكدت الصحفية مشاعر عبد الكريم بشير أن خطاب الكراهية ارتبط ارتباطا وثيقا بالموروثات المتمثلة في الأمثال الشعبية، والغناء القديم والشعبي، والحكايات المستندة على الأساطير، وأقرت بأن النظام السابق انتهج سياسة (فرق تسد) كمبدأ لتفكيك المجتمع السوداني، مشيرة إلى أن هذا المشروع لم يأخذ وقتا طويلا وصولا إلى مبتغاه، وأعربت عن بالغ أسفها لما آلت إليه المعارضة للنظام الحاكم بنفس النهج بمجابهة الكراهية بالكراهية وإعلاء خطاب العنصرية غير العقلاني بعيدا عن الانتباه لخطورة هذا الخطاب، وتبعاته على المجتمع والأجيال القادمة. قشرة العمق:
قالت مشاعر الأرجح أن السبب هو عمل المؤسسات التربوية والدينية والأحزاب السياسية على القشرة وليس العمق في أصل خطاب الكراهية، وعدم التوغل في المجتمع لمعرفة طبائعه وعاداته وسلوكه وغيرها، مؤكدة أن هذه الجهات إذا استطاعت تفكيك هذا الخطاب بشكل موضوعي ومحاربته بالوسائل المناسبة تفاديا لتكرار مثل هذه الأحداث مستقبلا لأمكن تحجيمه، ووجهت مشاعر المجتمع بضرورة البحث عن أصل إنتاج وصناعة خطاب الكراهية لمعرفة الوسيلة المناسبة التي تحد منه، مطالبة بضرورة إيجاد إرادة سياسية لسن وتطبيق القوانين الرادعة للمروجين لخطاب الكراهية تجاه الأفراد أو الجماعات باستخدام خطاب بلغة أو بفعل يؤذي فردا أو جماعة حتى تكون هناك عواقب لفعل أو قول يشي بالكراهية.