الإتفاق الإطاري ما أشبه الليلة بالبارحة..(1___2)..!!
تقرير : عبد القادر جاز
قد تلاحظ أن التسويات التي تمت تحكم عليها القوى السياسية في الغالب بأنها ثنائية وفارغة المحتوى ولا تخاطب جذور الأزمة السودانية، إلى ماذا يرجع ذلك؟ كيف يتثنى لنا أن نجعل من التسوية برامج وخطط لمقابلة الأزمات الوطنية التي تحتاج إلى معالجة؟ يعتقد البعض أن نهج فولكر يسيطر على المشهد السياسي السوداني، وإسقاطاته من واقع الاتفاق الإطاري والموقعين على سلام جوبا ما بين مطرقة التسوية وسندان المعارضة، كيف تسقط ذلك على استكمال السلام؟ مع غير الموقعين في ظل الأصوات المناهضة لهذه التسوية، ما هي القراءات والتحليل للوضع السياسي الراهن ومآلاته..
الاختلاف سنة الحياة:
أكدت الأستاذة مي هاشم الرئيس التنفيذي للمؤسسة المدنية للتنمية أنه من الطبيعي أن لا يتفق الناس، باعتبار أن الاختلاف سنة الحياة، مشيره إلى أنه ليس من الطبيعي الخلاف المستمر لمحاولة إفشال كل ما يبدر عن الآخرين، وأردفت بقولها: إن الاتفاق الإطاري هو حتمي بغض النظر عن المؤيدين أو المعارضين، ومن المستحيل الوصول لحلول وكل طرف يصر على موقفه، مضيفة أن الذين يرون أن الاتفاق ثنائي، فإن رفضهم لا يعدو كونهم لا يمثلون الطرف الثاني على حسب تعبيرها، مشيرة بهذا الخصوص سيتم وصف الاتفاق بأنه ثنائي إقصائي سيضاف له كل وصف يقدح فيه لإفشاله، مؤكدة أن الاتفاق الحقيقي تتوافر فيه إرادة التغيير والنظرة لمستقبل الأجيال القادمة والكف عن ملاحقة الكراسي والمناصب، وقالت مي إن الكل يحق له أن يعتقد وفقا لتوجهاته، وما قام به فولكر بدور الوساطة كما تقوم عدة جهات، واعتبرت الوساطة بأنها حتمية آتت أكلها، وهو المطلوب في هذا التوقيت، ووصفت هوس المؤامرات والتدخلات الخارجية بأنه جهل، ونحن جزء من المنظومة الدولية.
المراهقة والصبينة:
كشفت مي أن أطراف السلام أصبحوا ما بين سندان التخوف من فقدان السلطة والمناصب والمحاصصات ومطرقة السلام الحقيقي الذي يتوقف معه الدعم الشعبي والدولي، ووصفت إياهم بأنهم يريدون دخول (الصندوق بصرفتين) لضمان استمرارية حصولهم على جزء من كعكة السلطة دون اعتبارات للوطن والشعب الذي عانى من جراء الحرب، وهم يتشاكسون باسم النضال والنزوح والفقر بين المحاصصات والمناصب، مستطردة بقولها: رغم التفاؤل بالتوقيع الإطاري إلا أنني أرى تكرار للمشهد مرة أخرى، مرجحة أنها لن يحدث أي تغيير ما لم نتعامل بجدية مع الواقع ونترك المراهقة والصبينة السياسية،واعتبرت أنهم يريدون دولة قانون لا يحتكم للثورية.
صفقة ثنائية:
أكد القائد فيصل عبد الرحمن السحيني رئيس جيش تحرير السودان الإصلاح والقائد الأعلى لقواتها (غير الموقعين) أن هذا الاتفاق لم تكن له رؤية ثاقبة حول القضايا الوطنية التي تسهم في إيقاف التشاكسات وإنهاء الصراع ومن تتجه إلى تحديد مستقبل البلاد، وأضاف بقوله: أي تسوية سياسية لم يكن فيها إجماع وطني وتوافق تام من غالبية القوى السياسية تعتبر صفقة ثنائية لصالح موقعيها على حد قوله، مجزما بأنها لم تساهم في حل الأزمة التي استفحلت بصورة كبيرة و
تكاد أن تعصف بالوطن من الوجود، مؤكدا أنه إذا أردنا أن نجعل هذه التسوية برنامج وخطط لدعم القضايا الوطنية، أن نستصحب جميع الرؤى، وأفكار غالبية القوى السياسية، وقوى الثورة التي ساهمت في التغيير لإحداث توافق وطني عام لحل الأزمة والحفاظ على الاستقرار بتشكيل حكومة انتقالية متجانسة قادرة على توفير الأمن، وتحسين معاش الناس، ومعالجة قضاياهم ومشاكلهم المتجددة، وصولا إلى انتخابات حرة ونزيهة.
التأثير والخروج:
أوضح الحسيني أن لفولكر دور كبير في الاتفاق الإطاري من خلال تحركاته الأخيرة في كل الاتجاهات، بالضغط على المكون العسكري عبر أطراف خارجية لها تأثير في المشهد السوداني، مؤكدا أن فولكر استطاع أن يقنع الأطراف بالتوصل إلى هذه التسوية التي في نظره تحل الأزمة، وهي بحسب ما يرى المخرج الآمن من الأزمات السياسية، ويلزم المكون العسكري بجدية الخروج من العمل السياسي، وأضاف بأن فولكر يقول بأن غالبية السودانيين يؤيدون هذا الاتفاق والباب ما زال مفتوحا أمام الرافضين له، وفرض نفسه على المشهد تماما.
العوامل والتكتيكات:
اعترف الحسيني بأن الموقعين على سلام جوبا قوة لا يستهان بها ولها تأثير كبير في المشهد السياسي، من خلال الكتلة الديمقراطية التي انضمت إليها أطراف مهمة على سبيل المثال: كيان الشرق بقيادة ترك، والحزب الاتحادي بقيادة جعفر الميرغني، مؤكدا بأن هذه الكتلة فرضت نفسها بقوة لا يمكن تجاوزها مهما كان الأمر، قائلا إنه على ضوء هذه المؤشرات ستعمق الأزمة بصورة أكبر، وتزداد بؤر الخلاف بصورة أوسع، مبينا أن عملية استكمال السلام خطوة ضرورية لتشمل جميع الحركات المسلحة التي لم تكن جزء من اتفاق جوبا، وهي أكثر من أثنى عشر حركة وليس الحلو وعبد الواحد فقط، حتى يتحقق السلام الشامل والاستقرار في البلاد، ويرى الحسيني بأن هذا الاتفاق تكتيكي لكسب الوقت، وإرضاء الأطراف الخارجية، والتهدئة الداخلية، إلى حين بروز عوامل أخرى، على سبيل المثال: حديث برهان بأن خروجهم من العمل السياسي مرتبط بخروج الأحزاب وتوجهها لإعداد نفسها للانتخابات.
سطحية الأمور:
اعترف الأستاذ تاج السر إبراهيم إسماعيل رئيس حركة العدل والمساواة الجديدة (غير الموقعين) أن المشكلة ليست في ثنائية التسوية والمعروف في السياسة السودانية كل من وصل إلى سدة الحكم سواء كان سياسيا أو عسكريا سرعان ما يتحول إلى ديكتاتور يعمل بمزاجه، مشيرا على ضوء ذلك تضيع القضايا الوطنية، ويصبح هناك حاكم فاسد ومعارضة تصارع النظام وليس لديها هدف سياسي واضح، وقال إن الذين وقعوا على الاتفاق الإطاري انشغلوا بأمور سطحية عندما كانوا في السلطة بعيدا عن المسائل التي قامت من أجلها الثورة، معيبا عليهم أنهم حينما احتدم الخلاف بينهم افترقوا بطلاق بائن بينونة صغرى، ورجعوا إلى بيت الطاعة مجبرين حاليا، مرجحا تحول التسوية لخطط وبرامج لمقابلة القضايا الوطنية مخاطبة لأس الأزمة التي تتلخص في قضيتي الهوية وفصل الدين عن الدولة، باتفاق السودانيين في هاتين المسألتين ستمهد لحل مشاكل الدولة المعقدة، مبينا أن الذين يريدون مكاسب ذاتية يرفضون هذه الرؤية يعيدون تجريب المجرب.
الأيادي الخارجية:
أكد تاج السر أن المشهد السوداني بعد الثورة المختطفة وضع البلاد تحت إدارة ضعيفة بصراع الأطراف على السلطة الانتقالية دون الانتباه للقضايا الملحة، وإتاحة الفرصة للقوى الدولية أن تضع يدها على مفاصل مهمة في الدولة بتقدم مصالحها على حساب سيادتها، مستطردا بقوله: إذا لم يدرك السودانيون هذه الجزئية فإن سيادة البلاد، ستصبح في أيادي خارجية ؟
المكايدات السياسية:
قال تاج السر إن التنظيمات الثورية التي وقعت سلام جوبا تجربتهم شبيهة بقوى الحرية والتغيير باعتبارهم لا يملكون برنامج سياسي واضح، ووصفهم بأنهم يعملون بحساب اليوم، وهذا أضر بهم، مبينا أنه من الأجدى أن يطرحوا برنامجهم السياسي وهم متحدين تحت عباءة الجبهة الثورية التي وقعوا باسمها، ويبتعدوا عن المكايدات السياسية التي أضرت وخصمت من رصيدهم كقوى سياسية جديدة، مؤكدا أنهم في جوبا رفضوا التفاوض المباشر، ولم يوقعوا أي اتفاق مع الحكومة الانتقالية ولديهم رؤية واضحة لصناعة السلام، مضيفا أن معهم آخرين للدفع بها في أي منبر قادم، وأردف بقوله: إن الواقع اثبت للذين رفضوا منهجنا سابقا، أن اتفاقية جوبا لم تحقق السلام المنشود، ولم توقف آلة الحرب في المناطق الملتهبة، ولم تنصف الضحايا.