المشتهي الحنيطير … حول أسبوع القضائية بولاية الجزيرة )
———-
صالح سعيد المحامي . مدني
٢٠ ديسمبر ٢٠٢٢م
————-
جرى ـ عندَ تماثلِ الزهدِ تخمةً أمامَ الموائدِ اللئيمةِ ـ على لسانِ السودانيين الفصيح ، حالَ تمنّع أدنيات المرتجى عن المنال المسالم الجميل ، فصاحةَ الزهدِ في شرعنةِ ( القَنْع ) … فيقولون في ( تَقىٰ )الزاهدين : ( المشتهى الحنيطير يطير ) ، و هو ضربٌ من المحصولات التي يشيع رعايتها في شمال السودان لكنّها محصولاتٍ مهما تعهدتها بالسقيا ، تظلّ بلا جدوى ، تلقاءَ زهيدِ فائدتها الغذائية و وضاعةِ قيمتها السوقية عطفاً على مشكلات تخزينها الفادحة ..
و قد جرى على لسان القاضي برامويل في القضية الشهيرة Hart-v- lankshair railways company قوله الحصيف : ( و إنه لمّا كان العالم يغدو أكثر حكمةً كلما كبر فإنه لا يمكن أن يكون قبل ذلك سخيفاً و مغفلاً ، لذات السبب ) .. و لقد إزدهى هذا المضمون الوفير في أدبيات القياسِ كأصلٍ من أصول الفقه لملاحظةِ التطور الديناميكي لمفاهيم الأداء جملةً ، دونما استخفافٍ أو ازدراءٍ بمعوقاته عند بواكير الخبرة أو باكر الإختبار ، فالتجويدُ لا يمكن أن يكون إدانةً للرداءةِ الأولى .. و هذا ما كان ينبغى على (دكاترة) مهرجان القضائية في ولاية الجزيرة إستصحابه عند التداعي لنصرةِ القانون و الإنتصار ( لبيرق )ما أسموه ( أسبوع الكتاب القانوني بولاية الجزيرة ) تحت شعار ( نحو فكر قانوني رائد) .. مزيناً بالكتبِ المبذولةِ – أساسًا – على الأرصفةِ و المكتبات الصفيحية الساطعة ( بلقاءِ أهلاً و نقاءِ سهلاً ) ، و لا تحتاج لكل هذه الزغاريد و فقرات المونولوج و الدوبيت و فواصل الغناء المهيض ، لكي تقذف المحامين من نافذةِ التطريب (الدرجة تالته) الى رصيف المشاهدةِ ، كيتيمٍ على مائدةٍ ( لئيمة ) ( و لؤم الموائد سمةِ الدعوات الشحيحةِ و الدعاة الادعياء الذين يولون أمراً لا يطالون أمره و لا يعتلونه الا مراءاً ) ، فالمحاماة يا سادتي ( أهل السبوع ) ، يليق بها المجدُ ، و المحامون يزينون الفناءات و يضيفون للقولِ أقوالاً صميمة و يقودون زمام الإصلاح و يتولون التصدي (تحالفاً) في الحق و (طوارئاً) عند النائبات و (مهنيين ) حتى نخاع بناءِ الدول و المجتمعات و ريادة التغيير للمعلوم و ليس التجيير للمجهول ، و المحامون يرفعون الفاعل لكن لا يكون بناءهم – لغةً – على السكون ، و لا – لغواً – على المسكنة … و لن ينفرطنّ لهم عقدٍ كـ( سُبيحة) .
و مما يحزُّ في الأنفسِ للمحامي الصميم الذي يحب مهنته و يذود عنها غيرةً و ( غارات ) أن يرى في زمهرير التدافع لإقامة عود المنظومة الحقوقية و العدلية ، من يغرد خارج مضمار الثورة التي هي الآن إرادة الجميع ، و بعيداً من أنطقة التثوير و منطلقِ الإصلاح ، من ينبري لإقامة أسبوع ثقافي بمسمى أسبوع الكتاب القانوني بولاية الجزيرة و يتفادى – عمداً – أن يرتكن الى ركنٍ ركين من أعمدةِ العدالة و هم قبيلة المحامين ، حيث جاء كتاب ( المفاخرة ) خلواً من ( جنس محامي ) أو كلمة محاماة ، أفراداً أو كياناً نقابياً أو أسريًا أو حتى خيالاً سحرياً لا يطاله دليلاً أو ( برهان ) ، و لا تسعفه حتى حواشي ( اللورد ديننج) ، فيزيّن لدكاترة الدعوات في أضغاثهم تجاوز المحامين و كيانهم النقابي عمداً ، كأنهم لم يطالعوا ( آفاق القانون في المستقبل ) ، حتى نخال ذلك حرباً ضروساً على المحاماة و تنكراً لدورها و نكراناً لوجودها الباذخ الحتمي المستمر .. فجاء في كتيب الإسبوع الإنشائي في صفحته الأخيرة دعوات رشيقة ( بلغت سبعٍ و عشرين دعوةً ) لجهات و شخصيات و تنفيذيين و منظمات و عسكريين و اصحاب مهن و تجار و إعلاميين ، و لكن تجاوزت المحامين بولاية الجزيرة (عمداً) ، و جاء في صفحته الأولى ( ضمن الأهداف ) (٤: خلق شراكات قوية مع المؤسسة العدلية المتمثلة في اضلاعها الثلاث : السلطة القضائية – النيابة – الشرطة ) !! و تجاوزت المحامين ( عمداً ) كضلعٍ لم يرق لصاحب الخطوة المدنية و الحظوة العسكرية أو الدعوة الهلامية أن يدعوهم كياناً أو رمزاً أو أن يعترف بهم كضلعٍ من أضلع العدالة !! و لا ندري كيف يدعو للارتقاء بالمنظومة العدلية بشعار [ نحو فكر قانوني رائد ] و هو يتجاوز المحامين ، و هم صرح العدالة الصريح و سهلها الفسيح و شمسها الواقدة ، ناهيك عن خلو الفقرات و الاوراق على قلتها من ناضر قول المحامين المشهود و ساطع وجودهم الموجود ، على الرغم من احتشادها بالمديح و الغناء و الدوبيت و المونولوج و أهازيج حوافر خيل الحسانية عندما كانت ( في شنو ) و كان الناسُ في شأنٍ فادح ( مع وافر تبجيلنا للقبيلة و لسائر القبائل و المكونات في سوداننا المكلوم ) ، و لا أحسبن أن مولانا عبد الرؤوف حسب الله ملاسي بقامته الباذخه و تاريخه المشرق و تواضعه الرصين أن يعلم أو يرتضى هذه ( الملعبة) .
إنّ العلاقة بين المحامين و القضاة – ظلت و تظل ثراءاً من التاريخ و آمالاً ممتدة لمستقبل العمل المشترك تتكامل مسؤليتهم و تتعاضد أدوارهم للارتقاءِ بالنظام العدلي . و إن إسارَ الوجدِ داخلَ الأسرةِ الواحدةِ ظلّ و يظلُ شعلةً لا تخبو ، فبين ظهرانينا قضاةً نؤاخيهم و نرافقهم و نزاملهم و نتوكأ جماعةً على عصا الحق في مسيرتنا على دروب الحقيقةِ و التغيير ، لكن لن تجدي محاولات طمس وجود المحاماة أو تقليلِ دورها أو إهمالِ كيانها من مشهد العدل و مشاهد الإعتدال.
ساء فعل و تقدير دعاة الأسبوع و هم يتجاهلون المحامين بولاية الجزيرة ، و ساء أضعافاً عندما استدركوا الخطأ بخطيئةِ إقحام( المحامون ) في فقرات المدعويين حشراً و إلحاقهم في مثلث الاضلاع المكسورة البيئسة قسراً ( حيث جرى تعديل على الكتيب علمنا به مؤخراً) و لكن كما قال أبو الطيب المتنبئ: ( إذا اشتبهتْ دموعٌ في خدودٍ ..
تبيّن من بكى ممن تباكى ) .
و التحية لكل القضاة الشرفاء ممن يؤمنون بوجود المحاماة و دورها العظيم في إصلاح المنظومة الحقوقية و العدلية ( في رهانها الوشيك ) . أما محامو ولاية الجزيرة فسيقاطعون ( حنيطير ) أسبوع العدالة الأعرج دون أن يرمش لهم جفن أو أن يشعروا بأن أحداً مرّ من هنا .