تقرير : عبد القادر جاز
ربما تضارب تقاطعات المصالح في الملفات الشائكة والمعقدة كاد أن يعصف بمنطقة القرن الأفريقي تركيزا على (السودان، أثيوبيا، ومصر) باعتبار صعوبة التحول إلى توافق فيما بينهم حول الحدود، وسد النهضة وقضية اللاجئين، كيف يتثنى لهم تقريب وجهات النظر في هذه القضايا الحيوية في هذا التوقيت؟ من واقع خلفية الزيارات المتبادلة والمتكررة من قبل الجانب المصري والأثيوبي إلى الخرطوم، بوجهة نظرك، هل تستطيع الخرطوم أن تصبح منطقة تفاهمات للاستفادة من هذه التقاطعات وتوجهيها نحو المسار الصحيح لهذه الأطراف؟
الإرادة السياسية :
أكد د. محمد علي تورشين المحلل السياسي والأكاديمي أن الخلافات حول سد النهضة فنية في المقام الأول ومرتبطة إرتباطا وثيقا بعملية الملئي والتشغيل، مبيناً أن مثل هذه القضايا تنقصها الإرادة السياسية والرغبة الجادة للتوصل إلى تفاهمات وصولاً إلى اتفاق مبنى ضمانات مشتركة، موضحا انه هناك قضايا عالقة ومعلومة مابين السودان ومصر مرتبطة بالحدود بمنطقة حلايب وشلاتين منذ الاستعمار ومحتلة من قبل مصر، يرى انه تم مصرعت كل المواطنين في تلك المنطقة بامتياز، منوها إلى ضرورة التوجة إلى محكمة العدل الدولية حللت مثل هذه القضايا العالقة، مرجحا عدم اللجوء إلى هذه المحكمة يعني أن مصر لديها ملاحظات بأن هذه الأراضي سودانية باعتبارها مناطق ذات موارد غنية ستاثر على الأمن القومي المصري على حد قوله.
تجارب السيناريوهات:
أوضح تورشين أن مسألة الخلافات الحدودية مابين السودان وإثيوبيا باعتبار أن الجانب الأثيوبي هو محتل الأراضي السودانية، نتيجة بأنه يعاني من مشكلات زراعية ولخصوبة تلك الأراضي السودانية، أقر بأن الجانب الأثيوبي يتظاهر بأنه ضد اي خطوة للتوغل في الأراضي السودانية، قائلا لكن فعليا هو يدعم المجموعات والمليشيات التي احتلت هذه الأراضي، أردف بقوله : اذا الحكومة الإثيوبية التي دخلت في توقيع مع التقراي، من الطبيعي فهي ترغب في علاقة سليمة مع السودان، مطالبا الحكومة الإثيوبية بضرورة ضبط الحركات والمجموعات الغير منظمة للاستفادة من تجارب السيناريوهات السابقة.
التعقيدات والتداعيات :
قال تورشين أن قضية اللاجئين التقراي معقدة ونتيجة لتداعيات الحرب الداخلية وبعد توقيع السلام ما بين الأطراف سيتم إعادة اللاجئين باعتبارها مسألة ليست ذات خطورة من بقية المسائل الخلافية الأخرى، نفى عن حدوث اي حرب في المنطقة بسبب الخلافات في القضايا العالقة المتمثلة في الحدود وسد النهضة وقضية اللاجئين على حسب تقديره.
الحلقة الأضعف :
قال تورشين إنه لا يتوقع أن يكون السودان محورا لتفاهمات مشتركة في قضية سد النهضة باعتباره الحلقة الأضعف في هذه الخلفية، مؤكدا أن السودان حتى اللحظة لن يتبلور موقفه تجاه هذه الأزمة سواء كان في عهد الإنقاذ أو فترة الحكومة الإنتقالية الأولى، ووصف أن الموقف السوداني متذبذب وغير واضح أو معلوم، معتبراً أن كل هذه العوامل في حقيقتها سلبية ولا يمكن الاعتماد عليها، باعتبار أن الموقف السوداني متجاذب مابين خط الجانب الأثيوبي تارة والمصري تارة أخرى، مبيناً أنه على ضوء هذه المؤشرات سيظل الحلقة الأضعف بأن يعملوا جميع الأطراف بإيقاف الرؤية السودانية لدعم اي طرف في مثل هذه القضايا.
نقطه خلافية :
اعتبر د. بدر شافعي الخبير في الشؤون الأفريقية أن ملف الحدود مابين مصر والسودان شائك ومعقد بما يخص منطقة حلايب وشلاتين، ولفت إلى أن هذه القضية أزمة متفاخمة ويتم توظيفها السياسين لكي تكون نقطة خلافات دائمة، مشيراً إلى أن الخلاف في الحدود مابين السودان وإثيوبيا في منطقة الفشقة يختلف تماما ويمكن التوصل إلى اتفاق أو تسوية، مبيناً أن الحلول تمكن في فكرة تحول منطقة حلايب وشلاتين إلى منطقة تكامل تجاري مابين الجانبين، ومنطقة الفشقة التوصل إلى تسوية لوضع الرقابة على مناطق الحدودية.
الوساطة والتسوية :
أكد شافعي أن السودان يمكن أن يلعب دور الوساطة مابين مصر واثيوبيا في ملف سد النهضة باعتباره طرفا وصاحب مصلحة، موضحا أن السودان في عهد الإنقاذ منحازا لمصر ولكن بسبب خلافاته مع مصر ترجحت الكفة لانحيازه لاثيوبيا، مستطردا بقوله: ربما السودان قادر على حسب البند العاشر من اتفاقية الخرطوم للعام ٢٠١٥م في حالة الرغبة بدون وسيط أو البحث عن تدوير للملف، يجب موافقة الأطراف الثلاث، توقع بهذه الوضعية يمكن للسودان بصوته يستطيع أن يدلف الطرفين إلى مائدة واحدة، مرجحاً أن الأحداث والاوضاع في السودان المتعلقة بالاتفاق الإطاري سينشغل عن مثل هذه القضايا في هذا التوقيت، بجانب محاولة كل من مصر واثيوبيا بأن يكون لهم إسهامات في موضوع التسوية، مؤكدا أن الخرطوم فعلا مؤهلة لدور الوساطة للتوصل إلى تسوية فيما يخص عمليتي الملئي والتشغيل في وقتي الفيضان والجفاف المتوسط، منوها بضرورة الإعلان والإخطار من الجانب الأثيوبي بعملية الملئي، قائلاً إن السودان هو الأقرب في التسوية لأي خلاف.
النظرة الفاحصة:
قال الأستاذ أنور إبراهيم كاتب وصحفي إن الخلافات في الملفات المختلفة ذات الطبيعة المعقدة يمكن معالجتها من خلال النظر الفاحصة لكل ملف على حدا عبر جلوس كافة الأطراف مع بعضها البعض وصولاً إلى الحلول الممكنة، كشف عن العلاقة ما بين السودان وأثيوبيا فيما يخص ملف سد النهضة يختلف الوضع عن مصر باعتبار أن السودان له مصالح مشتركة تجعل أن هناك نوعية في طرح الملف فيما يدور حول الأطراف الثلاث لهذا الملف، مبيناً أنه في حالة لم يتم تأثير طرف علي اخر وربط القضايا العالقة مع بعضها البعض يمكن التوصل إلى حلول مرضية.
نقطة تلاقي :
أرجح أنور من الممكن أن تكون الخرطوم منطقة تلاقي وتفاهمات على حسب موقعها الاستراتيجي ما بين الدولتين، مشيراً إلى أن السودان لديه قضايا وملفات شائكة مع دوليتي مصر واثيوبيا، معتبراً من رغم من ذلك أن السودان له تفاهمات في الجوانب الفنية المتعلقة بسد النهضة وما يجنيه من فوائد مرجوة، مشيراً في هذا الخصوص هو المستفيد الأول بعد أثيوبيا، متمنياً أن يكون للسودان دورا للوساطة الفاعلة لأهمية وطبيعة الملف وفوائده التي تعمم على المنطقة وتتطلب أن يتحول السودان إلى نقطة تلاقي لطرح ملف سد النهضة للتوصل إلى الحلول والمعالجات اللازمة.
الانشغال والاستقطاب:
أكد الأستاذ يوسف ريحان رئيس المعهد الأفريقي للسلام والتنمية أن العلاقة ما بين الدول الثلاث علاقة قديمة وتاريخية ولديها مستقبل واعد بالنظر للامكانيات الطبيعية الضخمة والطاقات البشرية القادرة على الإنتاج والإبداع لصناعة مستقبل مختلف عن واقعها الحالي، داعيا لأهمية تطوير هذه العلاقات باعتبارها أكبر من الملفات العالقة والأحداث الطارئة التي تفسد الكثير خاصة شكل العلاقة المبنية على أساس التنافس بعيداً عن التعاون المشترك، وأشار إلى أن مسألة اللاجئين لم تعد بالقضية المهمة في هذه المرحلة الحرجة في ظل انشغال كل طرف بالمشاكل الداخلية، وأوضح أن الأزمة السودانية لم تبارح مكانها نتيجة للوضع السياسي غير المستقر وغير المهيأ للنقاش حول القضايا العالقة ذات الملفات المشتركة، إضافة إلى أن مصر منشغلة بالأزمة الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع في الأسعار وزيادة في تكلفة المعيشة، وإثيوبيا منشغلة بملف التقراي، مضيفاً بأن الملف المشترك ما بين الأطراف الثلاث هو سد النهضة الذي يكاد أن يكون قد طوي بمبدأ فرض سياسة الأمر الواقع بالمفاوضات التي لم تحقق شيئاً، مشيراً إلى أنه في هذا الخصوص أن الملف السوداني سيعيد حالة الاستقطاب من جديد باعتباره عادة ما يتموضع في المكان الوسط، مما يجعل كل طرف يسعى لاستقطابه، واعتبر أن هذا المناخ ليس بالملائم لتقريب وجهات النظر في ملفات الحدود وسد النهضة وقضية اللاجئين.
أسير التقاطعات :
أوضح ريحان أن الزيارات إلى الخرطوم من قبل قيادتي الدولتين الشقيقتين لا تأتي في إطار حل الملفات المشتركة، وأردف بقوله: إنما من أجل فتح حوار حول الأزمة السودانية التي اضحت أسيرة لتقاطعات عدة محاور دولية واقليمية وقطرية، مبيناً أن الملف السوداني أصبح الأكثر سخونة وأهمية واستقطابا بين الأطراف المعنية به، مقرا بأنه إذا نظرنا لزيارة قيادتي الدولتين لا أظن أن لديهما القدرة على تأسيس تفاهمات جديدة بالنظر لهدف تلك الزيارات، مرجحاً في هذا الخصوص أن حالة الاستقطاب ستزيد الشقة وستبعد أكثر بين الأطراف في الإقليم الأفريقي العربي على السواء، فضلاً عن إرباكها للوضع السياسي السوداني المازوم في الأساس.
فقد التناغم:
قال ريحان إننا أصبحنا ولفترة ليست بالقليلة فاقدين للتناغم في الموافق دول (السودان، أثيوبيا، مصر)، مبيناً أنه بالرغم من وجود ملفات تستوجب هذا التناغم للتوصل لتوافق بشأنها، على غرار ما يحدث في دول شرق أفريقيا (أثيوبيا، إريتريا، جيبوتي، كينيا، الصومال) سواء في المختلف حوله أو المتفق عليه، والمراد التعاون فيه، قائلاً إذا أردنا الاستفادة من هذه التقاطعات علينا إعادة التفكير في تغيير الحالة التنافسية المسيطرة على تفكير هذه الأطراف انتقالا إلى التعاون لإرساء قواعد التكامل الجماعي لتجاوز الكثير من العقبات التي تعيق تطور وتقدم العلاقات بين الدول الثلاث.