كانت أمسية هادئة، صوت صراخ مدوي شرخ أذن الليل،لمع نصل حاد بقلب العتمة…كأنه نجمة بالفضاء البعيد….الجدار يدور من حوله ،آلاف المطارق تطرق برأسه بعنف، لا يشعر بأطرافه،قلبه يغض في ثبات عميق….تلفت حوله ،جالت عيناه بالعتمة كأنه صقر حاد النظرات يبحث عن فريسته…. إلتصق أحمد بامه التي أيقظتها صرخته بهلع،كان يرتجف بشدة ،طوق عنقها بيديه الصغيرتين، بصوت خفيض مرتعش همس لها،لقد جاء الوحش ،إنه يحمل سكين، ضمته الي صدرها مطمئنة له،همست بأذنه،لاتخف يا صغيري..إهدأ ونم.. إندفع نحوهما ملوحا بسكينه ، بصوت أجش انتهر الصغير قائلا: لماذا تصرخ؟ لا احتمل تلك الأصوات، وأضاف مهددا،اصمت والا قتلتك،تشبث احمد بها وهو يرتعش كأنما صعقه تيار كهربائي، اجهشت جميلة بالبكاء..رمته بأبشع الألفاظ وبسيل من الشتائم، ،فهاج ثانية وإندفع نحوها محاولا طعنها لكنها دفعته بكل قوتها فسقط مصطدما بحافة السرير وخر مغشيا عليه. تنفست جميلة الصعداء وإرتاحت مؤقتا من هذا الوحش المقيت الذي يهدد مضجعهما كل ليلة،فكرت مليا …ماذا إذا إستيقظ فجأة وهجم عليهما…توجست خيفة ،حملت صغيرها وفرت هاربة خارج المنزل،تلفتت يمني ويسري …دب الخوف الي نفسها، ،الي اين تذهب بهذا الوقت المتأخر من الليل،أشارت الساعة للثانية منتصف الليل، نام احمد علي كتفها وهو ينشج من كثرة بكائه ،جلست بركن منزلها خارجآ…تترقب الشارع الخالي المخيف وتتحفز لما هو آت من معاناة جديدة…تيار بارد جمد أطرافها..احكمت الغطاء حول صغيرها النائم …ولم تغمض جفناها حتي الصباح….إشراق الشمس منحها بعض الطمأنينة إستيقظ الصغير ولاذال وجهه مكتسي بملامح الرعب ،طبعت قبلة علي خده لتمنحه بعض السكينة، امسكت بيده وتوجهت نحو المنزل ،شد علي يدها رافضا الحراك …انهمرت دموعه قائلا لا .لا يا امي لا تعودي لهناك…دعينا نذهب لمنزل جدي…هدأت من روعه ونظرت إليه بعينان مملوءة بحب ..وأسي. قالت لاتخف ..أنا معك لن يصيبك اي مكروه صدقني،. بعد تردد وافق علي مضض…ودلفا لعش عذابهما… توجهت جميلة نحو المطبخ لتعد الطعام لصغيرها ..لاذال خالد مستلقيا بأرضه وشخيره يعلو ..نظرت إليه بازدراء، حين فتح عيناه شعر بثقل رأسه وبدوار شديد …علا صوته مناديا ..اياها ..جميلة ..اجلبي لي فنجان قهوة أشعر بصداع حاد …لم تجيبه ،اعدت القهوة وناولته لها،استطرد قائلا لماذا أنا نائم علي الأرض ..وهمهم بانزعاج لست بخير…لم تعره جميلة ادني إهتمام، ولم تنبس ببنت شفة…. جفل احمد حين سمع صوت والده، أمسك باطراف ثوبها متواريا خلفها ، رتبت علي رأسه قائلة لاتخف، إرتشف خالد آخر قطره من فنجانه بتلذذ، ثم تحسس جيب بنطاله فوجد قطعة حلوي كان قد جلبها لأحمد، تسائل بدهشة لماذا لم اعطه اياها بالأمس، ناداه، ،تعال يا احمد…خاف احمد بشدة ،انحنت جميلة تهمس بأذنه قائلة: اريدك ان تعلم ياعزيزي إن والدك مريض هو لايدري ماذا يفعل باليل لكنه يعود بالنهار لرشده ويبدو شخص آخر،اطمئن أحمد بعد سماعه لذلك، وتوجه نحو والده بحيره …حين اقترب منه عامله خالد بلطف جالسه علي ركبتيه وقبله بحنان وحب ثم سأله بدهشة لماذا انت خائف هكذا يا احمد ما الأمر…لم يجبه ،كان يراقبه بحيره بالغة، تسائل بنفسه هل يكون الإنسان وحشا باليل وبالنهار يتبدل لإنسان عقله البرئ لم يستوعب حقيقة الأمر، اعطاه خالد الحلوي وقال له إذاعي العب أنا تأخرت عن العمل….نضح علي جسده ماءا باردا عل عله يشعر ببعض النشاط…نفض عن عقله المشوش تلك الهواجس التي تلوح له بعيدا وتطفو علي ذاكرته بشكل صور ل دوي صرخة،وسكين يلمع بالظلام، ومعالم آخري لايدري كنها ..هز رأسه بعصبية ،وخرج مسرعا للعمل. واستمر الحال علي حاله كل ليله، يخرج الوحش الذي بداخله لينسيه إنسانيته ثم يعود ل طبيعته بالصباح، هو لايدري ماذا يفعل، وهي تدري ولا تملك غير النحيب والمعاناة، وضاع احمد بين هذا وذاك بزحام افكاره وخوفه، حتي نحل جسده وأصابه المرض، دفنت جميلة احزانها بين جدران ذلك المنزل الكئيب، لم تشكو حالها لأحد فقط قررت الصمود والصبر. خسر خالد عمله تدهور الوضع اكثر فاكثر، كان يعمل مهندسا معماريا باحدي الشركات وكان بارعا بشغله متفانيا به، لم يتقاعس عن واجباته الا بعد إدمانه علي المخدرات….خسارته للعمل نتاج طبيعي لضعفه وقلة تركيزه وتشوش افكاره، تفاقم الحال سوءا فأصبح يبيع اي شي تحت متناول يده، كانت جميله تصارعه لكي تمنعه لكنه لم يتوانى عن صفعها ليفعل مايريد…باع كل شي ليشتري ذلك السم القاتل، وحين اصبحت البودرة البيضاء لاتنفعه اشار له أحد اصدقاء السوء بالحقن الوريدي، سم آخر أشدقتلا،وتدميرا بالنهاية باع حتي ملابسهم لم يتبق اي شي، ضاعت محاولات المسكينة في التصدي له. وفي،يوم غاتم السواد،بوضح النهار سمعت جميلة طرق عنيف علي الباب…جرجرت ارجلها بتردد ..فتحته وياليتها لم تفتح…جاء خالد يبدو عليه الإعياء الشديد..غائر غائر الأعين،هالة من السواد مرتسمة تحت جفونه، اوصاله ترتجف بالرغم من سخونة الجو…..أتي واتي معه شيطانه…كان بصحبته رجل ضخم البنية غليظ الشفتين، حاد النظرات بمنتهي الإنحطاط الأخلاقي..أشار نحوها هاهي ذي..جحظت عيناها حتي كادت أن تخرج مآقيها من محجرهما، من هول الصدمة لم تحرك ساكن…لم يهتم لرد فعلها ابتسم بخبث قائلا إنها لك،واستدار مغلقا الباب خلفه….اتجه نحوها الضخم وحاول الإمساك بها لكنها افلتت منه وهي ترتعد خوفا، ،ولم تستطع التفكير حينها سواء بأمر واحد وهو الدفاع عن شرفها…وركضت نحو المطبخ بسرعة جنونية باحثة عن مصدر نجاة فوجدت امامها ذات النصل الحاد اللامع بظلمات لياليها فأخذته واندفعت نحوه بكل ما تملك من شجاعة وغرسته بقلبه….و…اصابته بمقتل…تخضبت يداها بحناء الإنتقام لشرفها وسقطت السكين وهي بحالة إنهيار تام. تسمر احمد بمكانه دون يصدر اي صوت…لم يصرخ..ولم يخف..حتي دموعه تحجرت بمقآئه… إنتبهت له الأم المنهارة البائسة فحملته وففعلت ماتبرع بفعله دائما….الهروب…ركضت دونما توقف وهي تحتضن إبنها بقوة..كانت تركض فحسب لاتدري الي اي وجهة هي ذاهبه ..عيناها مملوءة بالدموع متشبسة بطفلها الفاقد للنطق…الرؤية الضبابية حجبت عنها الطريق …و……. همهمات من هنا وهناك رددت بأسف لا حول ولا قوة الا بالله…تمدد جسدها المرهق بمنتصف الطريق ومن فوقها جسد الصغير فامتزجت دماءهما مدونة اهزوجة لحن حزين…يدها لاذالتا ممسكتان باحمد بقوة كأنما تؤكد له وعدها انها لن تتركه بالحياة وبالموت…… وسمت ارواحهما بعوالم بعيدة حيث لامكان لشرور النفس البشرية. وللمعاناة.