آخر خبر
اخبارك في موعدها

تفنييد سردية معركة الكرامة في السودان

تفنييد سردية معركة الكرامة في السودان

 

ـ ظهرت عبارة “بل بس” بعد إندلاع الحـ رب الحالي في السودان قبل أكثر من عامين في إطار حملة اعلامية موّجه بالتّزاوي مع حـ رب إطلق عليها معركة الكرامة لدعم الجيش السوداني وإعطاء هذا الحـ رب اللعينة صبغة جـ هادية بهدف استقطاب الشعب في عمليات التجنييد والاستنفار.

كلمة البلابسة أو البلبوس مأخوذة من العبارة اللعيـ نة الشهيرة في سياق الحـ رب في السودان بل بس والتي تعني القـ تل والدمار والهلاك والبؤس, وتشير الى ضرورة المضي قدما في حسم الصراع عسكريا ورفض اي تفاوض او حل سلمي.

البلابسة كما يوحي الإسم هم مجموعة من النفعيين داخل السودان وخارجها ويعملون على تغذية الصراع المسلـ ح، لأن لديهم مصالح مادية وسياسية من استمراره ولم يتذوقوا مرارات الحـ رب.

معظم البلابسة ينتمون أو يوالون للحركة الاسلامية في السودان ولجناحها السياسي الحزب الحاكم السابق المؤتمر الوطني.

هذه الحركة كانت وما زالت تتبنى مشروعا اسلاميا نبيلا منذ الثمانينات وتحت حكومة الإنقاذ الا وهو تطبيق الشريعة الاسلامية وأسلمة الحكم والحياة العامة وجميع مناحي الحياة ولكن للأسف الشديد شوّهت سمعتها بسبب تاريخها الماضي والحالي.

تخيّل حركة تحمل صفة اسلامية وترفع شعارا اسلاميا تدعو ولو بشكل غير معلن الى استمرار الحرب من خلال نفوذها السياسي والعسكري داخل القوات المسلـ حة والمؤسسات الاخرى الحكومية بما فيها وزارة الخارجية السودانية ومن خلال أبواقها البلابسة والمنتفعين والنشطاء…..تناقض غريب جدا!!! قال محمد مختار الشنقيطي أحد أشهر المفكرين الاسلاميين في العالم العربي: “الحركة الاسلامية في السودان نجحت تنظـ ـيميا وسقطت أخلاقيا”….

تتعارض الأصوات الداعية الى استمرار الحـ رب مع المبادى الاسلامية والاخلاقية والانسانية ولا يوجد أي مبرر لاستمرار هذه الحـ رب لا من حيث الشرع ولا من حيث الاخلاق السليمة، والبلابسة يعلمون هذا جيدا.

حتى لو سلّمنا بان مليـ شيا الدعم السـ ريع هي التي من بدأت الحـ رب وتمردت على الدولة هل هذا مبرر شرعي للاستمرار في الحـ رب والقتـ ل؟ لا والله وألف لا…

ما هو موقف الاسلام من حروب الفتنة مثل الذي يحصل في السودان

في البداية، دعنا نتفق على عدة أمور: أولا، الحـ رب الحالي في السودان له دوافع سياسية…ثانيا، طرفا الصراع مسلمون…. ثالثا، لا أحد من الطرفين الجيش أو الدعم السـ ريع أعلن أنه يحارب ليدافع عن الاسلام….رابعا، الدعم السـ ريع أعلن في أكثر من مرة أنه مستعد للتفاوض وووقف الحـ رب واستجاب لجميع مبادرات السلام بينما الجيش السوداني رفض هذه المبادرات من خلال وضع شروط مسبقة وفي بعض الاحيان تعجيزية….خامسا، الاسلام يعتبر كل حـ رب بين المسلمين لأسباب دينية، سياسية، قبلية، أو غيرها حرب فتنة….طبعا هناك حالات مستثناة لها أحكام وظروف خاصة مثل محاربة البغاة، والدفاع عن النفس وغيرها.

بطلان سردية معركة الكرامة

أطلق الجيش السوداني والمجموعات المتحالفة معه وعلى رأسها البلابسة والحركة الاسلامية على الحرب ضد الدعم السـ ريع معركة الكرامة كما يعتبرون كل من قـ تل فيها من طرفهم شهـ داء…ووظّفوا الدين لخدمة أجندة الحـ رب من خلال استخدام عبارات دينية في حملات الاستنفار للمقاومة الشعبية….كل هذا بدون أي دليل شرعي ولو بتأول…..والأدهى من ذلك أن الطرفين يرفعان الصوت بالتكبير عندما يلتقيان في الميدان…..مثلا ترى الدعاميّ يطلق االرصـ ـاصة الحية على رأس الجياشيّ الأسير وهو يصرخ يا نصر يا شهادة!!!!!! إنا لله وانا اليه راجعون…يا لها من مصيبة!!!!

وقف هذا الحـ رب واجب شرعا، وأن كل من يدعو الى استمراره هو مشاقّ ومحادّ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم…

واليك الأدلة

أولا: قال الله تعالى: “وإن جنحو للسلم فأجنح لها”….الآية نزلت في شأن يهـ ود بني قريظة حيث أمر الله النبي عليه الصلاة والسلام بترك محاربتهم اذا أحسّ منهم رغبة في الصلح….وجه الدلالة هو أن الدعم السـ ريع مجموعة مسلمة ليست يهـ ودية ولا مسيحية ولا مشركة، ثانيا، حتى اذا سلّمنا أنها هي التي بدأت الحـ رب وتمردت لكنها صرّحت استعدادها لوقف الحـ رب والذهاب للصلح…..اذا فلماذ يرفض الجيش والبلابسة السلام

ثانيا: قال تعالى: “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحو بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلو التي تبغي حتى تفيئ الى أمر الله”…الى آخر الاية: الله عز وجل لم يذكر هنا أي شرط لا حماية السيادة, ولا دفاع عن الوطن, ولا انهاء التمرد, ولا محاربة المؤامرة الخارجية, ولا ولا ولا من شروط ما أنزل الله بها من سلطان!!! ولو طبّقت هذه الاية من حيث الظاهر وبدون النظر الى ظروف خاصة لكان من المفترض أن ينحاز الجميع للجهة التي استجابت لنداء الصلح ومحاربة الطرف المتعنت!!

ثالثا: قال تعالى: “ياأيها الذين آمنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولو لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا”….الى اخر الاية.: نزلت في الصحابي أسامه بن زيد الذي قتـ ل رجلا من المشركين بعد أن نطق بالشهادتين لخوف من السيف…لكن النبي عليه الصلاة والسلام أنكر ذلك وقال كيف تصنع بلا إله الا الله اذا جاءت يوم القيامة؟ حتى ندم أسامة….تأمل أنه اذا كانت ردة فعل النبي عليه الصلاة السلام بهذه الطرية تجاه قتـ ل رجل مشرك استعاذ بالشهادة, فما بالك بقـ تل سوداني مسلم ربما قد صلى صلاة الفجر ذلك اليوم!!!!

والأدلة من الاحاديث في هذا الموضوع كثيرة، ومنها على سبيل المثال: “لا ترجعو بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”….ومنها: “اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقـ ـاتل والمقتـ ول في النار”…ومنها: “لأن تهدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من أن يـ راق د ـ م امرؤ مسلم”….

وأفعال البلابسة والحـ ركة الاسلامية في السودان تضرب كل هذه الأدلة عرض الحائط ويتمسكون بحجج وتبريرات شيطانية مثل حماية السيادة، ومحـ ـاربة التمـ رد والمؤامرة الخارجية والدفاع عن النفس والعرض والمال…بالمناسبة المحافظة على الدين والنفس والعرض والمال يكون بوقف الحرب أو بالاستمرار فيه؟؟؟

ولا يخفى على أي شخص عنده أدنى ضمير إنساني أن استمرار الحـ رب والخراب والدمار في السودان لا تقبله الأخلاق السليمة والضيمر الانساني خاصة بعد أن تسبب في أكبر ازمة نزوح واكبر كارثة انسانية في العالم….أليوم يأسف شعوب العالم كلها وغالبيتهم من غير المسلمين لما يحصل في السودان وينادون بالسلام بينما للأسف الشديد الجيش السوداني (صمّام أمان البلاد كما يقال) والبلابسة من أبناء جلدتهم متعطشون لمزيد من الدمـ ـاء والخـ راب لتحقيق مصالح ذاتية على حساب وجود ومصير الدولة السودانية.

الحـ رب الحالي في السودان له ارتباط شديد بالصراع السياسي القديم بين الاسلاميين من جهة وقوى اليسار والعلمانيين من جهة أخرى والذي استمر منذ الثمانينات.

ومن أحدث مظاهر الصراع بين هذين المعسكرين الاتفاق الاطاري الذي كان السبب الرئيسي لاندلاع هذا الحـ رب.

رفضه الاسلاميون واعتبروه مشروعا غربيا قصد منه إعادة قوى الحرية والتغيير للحكم واستبعاد الاسلاميين مما استدعى ضرورة التصدي له بكل الوسائل بما فيها الخيار العسكري.

وكانت مسألة دمج قـ وات الدعـ م السـ ريع القشة التي قصمت ظهر البعير…..وأما السؤال عن من أطلق الرصـ ـاصة الاولى فما زالت تتصارع عليها السرديات والاشاعات, والفصل فيها ربما يكون فقط عن طريق التحقيقات العادلة.

يعتقد كل من الاسلاميين وقوى اليسار في السودان الى عدم إمكانية التعايش مع الطرف الاخر والاشتراك في الحكم ولذا سعى كلاهما الى إقصاء الاخر والتفرد بالحكم…وهذه المعضلة أصابت أيضًا الأحزاب الاخرى المتحالفة مع الطرفين مما يجعل إمكانية التوافق الوطني من المحال تقريبا.

اذا لكي تحلّ الازمة السودانية, لا بد من تقديم تنازلات من جميع الاطراف….على الاسلاميين أن ينحازو للسلام ويضعو السلاح ويعلو مصلحة الوطن, وعلى القحاتة أو ما يسمى حاليا بالصمود بالاضافة الى تحالف تأسيس عليهم أن أن يعلمو أن الاسلاميين بمن فيهم فلول النظام السابق جزأ لا يتجزأ من السودان ومن حقهم أن يشاركو في أي عملية سياسية….أما ما صدر في حقهم من قرار الحل فيمكن مراجعته او إلغاءه لأنه في النهاية ليس اية من القران..!!

بقلم الكاتب يوسف عبد الله

ملحوظة: الاراء الواردة في هذا المقال لا تعبّر بالضرورة عن السياسة التحريرية لموقع كينيا بالعربية..وانما تعبّر فقط عن رأي الكاتب.

شاركها على
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.